أقسام العلم عند الباطنية
وهنا نقف وقفة أخرى حول مسألة تقسيم العلم إلى علم مفقود وعلم موجود، فهناك قسمة أخرى للعلم عند الباطنية، وهي: علم الباطن وعلم الظاهر، أو علم الحقيقة وعلم الشريعة، وهذا شاهد لمخالفة هذه السنة التي ذكرها الشيخ رحمه الله.
قالت الباطنية : العلم الشرعي علم الشريعة، وكله من العلم الظاهر، وهو إنما أُنزل للعوام، وهناك علم الباطن، قالوا: وليس هو علم الغيب، وإنما هو علم للخاصة الذين يتلقونه عن أئمتهم -زعموا- المستورين المعصومين فإنهم يجعلونهم الطريق الوحيد لمعرفة ذلك العلم الباطن، ويزعمون أن لكل آية من القرآن معنىً ظاهراً وآخر باطناً، والباطن له باطن، والتأويل له تأويل، حتى قال بعضهم: إلى سبعمائة باطن!! إذاً كيف سيعرف الحق؟!!
وهذه وسيلة اتخذوها لهدم هذا الدين، وذلك أن العربي -أو من تعلم العربية- يفهم الآيات على ظاهرها، كقول الله سبحانه وتعالى: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ))[البقرة:163]، فيفهم من ظاهر الآية أن الله واحد، وهو -أيضاً- باطنها وحقيقتها، وكذا قوله تعالى: : ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ))[البقرة:43]، تدل الآية على أن الصلاة المعهودة المعروفة يجب إقامتها، والزكاة المعلومة المعهودة يجب أن تؤتى؛ فيبطلون ظاهرها ويدعون لها ولأمثالها من الأوامر والنواهي الشرعية باطناً وفق أهوائهم؛ ليهدموا الدين بذلك؛ وذلك لأنهم لو قالوا للناس: اكفروا بهذا القرآن، فلن يصدقهم أحد، بل سيقاتلهم الناس، فجاءوا بحيلة وقالوا لهم: آمنوا الإيمان الحقيقي الصحيح.. وما هو الإيمان الصحيح؟ قالوا: هو الإيمان المأخوذ عن الأئمة، وهو العلم الباطن والحقيقي، فلا تأخذوا الآيات على ظاهرها كالعوام الذين يفهمون من قوله تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ))[البقرة:43]، أن يصلوا ويزكوا، لكن خذوا الفهم الحقيقي الذي هو فهم الخواص. ثم بعدد ذلك كل طائفة تفسره بحسب ما تريد..
والباطنية بجميع فرقها وتشعبها هي من الطوائف الخارجة من الملة وعن فرق هذه الأمة جميعاً، وهي التي فسرت الدين -من أجل طمس الإسلام وإبعاد الناس عن حقيقة الكتاب والسنة- بهذه الوسيلة الخبيثة، وهي قولهم: إن الدين له ظاهر وله باطن، والباطن يتلقى عن الأئمة المستورين.
وبعض الفرق الضالة أخذت ذلك عنهم وانتهجت منهجهم؛ فـالرافضة يوافقونهم بأن الأئمة المستورين يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم مطلعون على العلم الباطن؛ هذا وإن لم يتعمقوا مثلهم في تأويل الأحكام العملية؛ فـالرافضة لا يوافقون الباطنية في تأويلها؛ كالصلاة والزكاة والحج والعمرة والوضوء؛ فعند الرافضة أنها هي نفس الأعمال الظاهرة المعروفة عند المسلمين، لكنها بهيئة أخرى في مذهبهم.
أما الباطنية فلا يرون ذلك؛ فـالنصيرية والإسماعيلية وسائر فرق الباطنية لا يرون أن الصلاة هي هذه الصلاة، ولا الوضوء هو هذا الوضوء، ولا الزكاة هي هذه الزكاة ... إلخ، لكن توافقهم الرافضة في أن الإمام يعلم الغيب، كما في الكافي وغيره، وأن الأئمة -وحدهم- يفسرون القرآن ويعلمون بواطنه.